تربية الأبناء من خلال قصة المخلفين الثلاثة
لو كان قارئ المقال أبا أو أما فهل يسمح لنفسه بأن يتحدث عن عيوبه أو أخطائه أو ذنوبه التي أرتكبها لأبنائه ؟ لعل البعض يقبل والبعض يرفض ولكن هذا السلوك يعتبر من أقوى أساليب التربية في تقويم سلوك الأبناء، فكثير من المربين يعتمدون علي أسلوب التوجيه المباشر في التربية بينما أسلوب التربية بالقدوة أكثر تأثيرا، أما حديث الآباء للأبناء عن لحظات الضعف التى مروا بها في حياتهم وعرض كيفية التغلب عليها فإن مثل هذه الجلسات التربوية من أقوى الجلسات التي تطبع في ذاكرة الإبناء وتغير سلوكهم
ومثالنا عن حديث الأب مع ابنه في قصة توبة (كعب بن مالك رضي الله عنه) عندما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم الذهاب لقتال الروم بعد رجوعه من غزوة حنين والطائف، وذلك لوقف تهديدهم للدولة الإسلامية ودعوتهم للإسلام، فبعث الرسول إلي القبائل وأهل مكة التجهيز للقتال فاستجابوا له إلا المنافقون والثلاثة الذي تخلفوا عنه من غير عذر وهم (كعب بن مالك، مرارة بن الربيع، هلال بن أمية)،
وقصتنا هنا ننقلنا علي لسان كعب رضي الله عنه وهو يروي لإبنه لحظات ضعفه وتخلفه عن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وجلوسه مع زوجته والإستمتاع ببستانه والهروب من حرارة شمس الصيف وعدم الإستجابة لطلب النبي، والجميل في القصة من الناحية التربوية أنه كان يروى مشاعره الخفية والداخلية ومعاناته والخطأ الذي ارتكبه بالتخلف عن رسول الله لإبنه بكل شفافية ووضوح، وأن الله ورسوله عاقبوه علي الخطأ الذي ارتكبه ولكن الذي نجاه هو الصدق،
عندما عاد رسول الله إلي المدينة قبل إعتذار المنافقين وهو يعلم أنهم كاذبون، ولكن كعب علي الرغم من فصاحته وقوة حجته إلا أنه واجه خطأه بصدق وأعترف لرسول الله بأنه تخلف من غير عذر، فغضب عليه رسول الله وكانت عقوبته أن يقاطعه أصحابه وأقربائه وحتى زوجته، فعاش في حبس اجتماعي كبير واستمرت هذه المقاطعة خمسين ليلة، كانت نفسه تتقطع ألما وندما وشعر بالضيق كما وصف القرآن حاله (وضاقت عليه الأرض بما رحبت)، وزادت مصيبة أكثر عندما أرسل له ملك غسان رسالة دعاه فيها بأن يأتي إليه ليكرمه بسبب ترك صاحبه له، ولكن في النهاية جاءه البشير يبشره بتوبة الله عليه فخر لله ساجدا وأعطى البشير ثوبه من شدة الفرح، وأنزل الله تعالى قرآنا يتلى ليوم القيامة في قصة الثلاثة بقوله (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
كان كعبا من شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم وكان لسانه قويا يخوف الأعداء بالحرب، ومع هذا لم يستثمر هذه الموهبة في التحايل والخداع وإنما آثر أن يكون صادقا حتى لو قاده الصدق لغضب الله ورسوله وتعرض للعقوبة، فكل هذه المعاناة لمدة خمسين ليلة كان يرويها كعب لإبنه حتى يبين له نتائج الصدق، ويبين له كيف أن المنافق الكاذب تم العفو عنه وأنه لما صدق تمت معاقبته ومع ذلك استمر بالثبات علي مبدأ الصدق علي الرغم من ضغط قبيلته بأن يغير عذره ويرجع للنبي حتى يعفو عنه مثل ما فعل المنافين، ولكنه رفض أن يضحي بأخلاقه وقيمه
فمن منا لديه الجرأة أن يتحدث مع ابنه عن لحظات الهبوط في حياته أو لحظات ارتكاب الخطأ في حق الله أو الناس؟ ولكن مثل هذه الإعترافات أمام الأبناء مفيدة ومربية بشرط أن لا نهتك ستر الله أو بشرط أن نكون قد صححنا الخطأ بعد ارتكابه، حتى تكون القصة مفيدة تربويا لهم، فحماية الأبناء من ارتكاب الخطأ أمر مهم ولكن الأهم منه أن نربي أبنائنا علي كيفية تصحيح خطأهم لو أرتكبوا الخطأ
@drjasem
د جاسم المطوع
الخبير الإجتماعي والتربوي