ابني بعمر 9 سنوات حساس

المشكلة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أكتب لكم بعد حدث أثر على العائلة كلها هذا الصباح. ابني بعمر 9 سنوات طفل جدا حساس، وقد أُكدت هذه الميزة أخصائية سيكولوجية (طفل ذو ذكاء وحساسية مفرطة) عنده فترة لا يريد أن يلبس معطفه الجديد فقط لأنه يراه طويل ويخاف من تنمر الأولاد في المدرسة بالرغم من أنه لبسه مرات قليلة ونحن في نزهة ووافق على إبقاءه وعدم إعادته للمحل. اليوم أصررنا بأن يلبس المعطف لأن القديم ليس بالجيد، وشرحنا سابقاً وكررنا أننا لا نلبس للناس ولا نبالي لتعليقاتهم. أحدث ابني أزمة قلق وبكاء وصراخ وحدثت فيه مواجهة لأننا تسامحنا في السابقن وحان أن نتصرف بحزم أكثر خصوصا مع موجه البرد. دخل زوجي إثرها في حالة بؤس وإرهاق من الأزمات المتكررة ولو أن أزمة اليوم أكثر شدة. أريد أن أعرف كيف يتم مواجهة موقف كهذا وبشكل عام كيف أتعامل مع فرط الحساسية عند طفلي؟ مثال آخر يدل على تفاعله وتأثره المبالغ: من يوم أظهرت له تأثير السجائر على الرئتين، لا يطيق بتاتا الجلوس أو المرور أمام المدخنين لدرجة أنه يقطع النفس. من يوم عرف أن هناك نوع من البعوض السام، أصبح يخاف من أي حشرة طائرة ولو ذبابة لدرجة أنه يرفض الجلوس لوحده في غرفة خوفا أن تأتيه البعوضة. أصبحنا نتفادى الحوار الثقافي الذي يمكن أن يؤدي إلى زرع الخوف عنده، ما الحل؟

الحل:

السلام عليكم،

السيدة .... حفظها الله.

إن فريق "معين" للدعم الاستشاري للخطة التربوية يرحب بك.

بالنسبة لسؤالك حول التعامل مع مخاوف طفلك بعمر 9 سنوات .

بدايةً نسأل الله أن يحفظه وأن يقر عينيك به في الدنيا والأخرة، ونتمنى أن يكون كلامنا بلسماً شافيا لك ونتمنى ألا يثير انزعاجك .

 قرأت الاستشارة أكثر من مرة ولفت انتباهي استخدامك لكلمات (أزمة- دخول زوجك حالة بؤس إرهاق، أزمات متكررة، أزمة اليوم) تعانوها نتيجة حساسية ابنك.

 غاليتي إذا كنت تقصدين هذه المشاعر نتيجة تصرفات ابنك فعذراً هنا يوجد مبالغة وتضخيم بردود الأفعال وبقراءة الواقع بطريقة فيها تهويل وتضخيم وتعميم، وأعتقد هنا ولدك ردود أفعاله مستقاة منكم إذا كنتم فعلاً تشعرون بهذه المشاعر نتيجة الجدالات اليومية معه أو أمامه؛ فنرجو منك الانتباه لطريقة التفكير، ومحتوى الأفكار والعبارات اليومية إذا كان بها مبالغة وتذمر وتعميم فبالتأكيد طفلك سيكتسب هذا النمط من التفكير ويتبناه، وبالتالي يكون عرضة للخوف والقلق الغير مبرر.

وبالعودة لطفلك، مساعدة طفلك يجب أن تكون ببطء وصبر ليستطيع التغلب على ما يخافه، فالدعم ومحاولة فهم الأمور بالنسبة له هي أفضل ما يمكن أن تقدميه له.

إذاً المشكلة الأساسية ليست في الخوف فقط لأنه فعلياً لا يتعرض لمواقف حقيقية فيها خوف تهدد سلامته، وإنما المشكلة في طريقة تفكيره بالمواقف وتفسيره للأحداث وهذا ما نسميه نحن وفقاً للعلاج السلوكي المعرفي (بتشوهات التفكير المعرفية)Cognitive Distortion. 

 وأنصحك البحث عنها في جوجل والقراءة عنها وهي عبارة عن أفكار مشوهة ومبالغ فيها، تجعل الشخص يفسر الأحداث بصورة غير منطقية وسلبية، لا تنسجم مع الواقع، تتسم بالانتقائية والتعميم والتضخيم والتهوين للمواقف وتفسيرها وفقاً لما هو يراها وليست كما هي في الحقيقة .

والحقيقة هناك قاعدة في نظريات علم النفس المعرفية 

 ((نحن لا نقلق من المواقف والأحداث وإنما نقلق بسبب الأفكار التي نفسر بها هذه الأحداث والمواقف وبالتالي هذه الأفكار تؤثر على مشاعرنا ومن ثم سلوكياتنا)).  

 وسأساعدك أكثر بوضع لك رابط في نهاية الاستشارة حول هذا الأمر.

 وإذا شعرتِ أن الأمر فعلاً ينطبق على شخصية طفلك، يفضل حينها عرضه على جلسات علاج نفسي

وفق نظرية العلاج السلوكي المعرفي هذه اجابتنا كانت لك من الناحية النفسية. 

أما من الناحية التربوية المطلوب غاليتي كبداية المحافظة على الهدوء والاتزان بقدر الإمكان أثناء موجة خوفه عدم جداله أو محاولة إقناعه والدخول معه بجدال. 

والخوف الذي يعاني منه ولدك -حفظه الله- هو نوع من الخوف المكتسب؛ وليس مناسب لعمره وليس طبيعياً. 

علماً أنه الخوف من قِبَل العقل اللاوعي كآلية دفاعية يسعى فيها العقل إلى حماية الجسم ووقايته من التعرض لمزيد من التجارب والصدمات المشابهة في المستقبل، وهو ما يثير الخوف الشديد مما ذكرته وأصبحت مخيلته تتبنى هذا الخوف حتى تضخم في عقله وتحول إلى فوبيا.

ويعتبر التفسير الأكثر قبولاً للفوبيا التي ذكرتها ناتج عن التفكير السلبي الذي يدور في عقله، مما يدفعه للتفكير بسلبية غير واقعية بسرعة وبصورة تلقائية، لدرجة عدم إدراكه لذلك.

-ناقشي المشكلة معه عن سبب خوفه، واسأليه واستمعي له بهدوء، وبدون سخرية واستهزاء من خوف

- إذاً تقبّلك لسلوك طفلك على أنه سلوك مكتسب من شأنه أن يساعدك ويساعد ولدك معاً على تخطّي تلك المخاوف، كما ومن شأنه أيضاً أن يساعدك على التخفيف من خوفه من خلال تفهّمك والتعاطف معه.

نقترح عليك التالي:

1- كخطوة أولى نعم ما نقترحه عليك غاليتي الطريق القصير وهو زيارة استشاري نفسي (وليس طبيب نفسي يهتم بالعلاج الدوائي)، استشاري يقوم بتقييم حالته عن قرب ودرجة القلق لديه وفق عدة اختبارات تقييمية، وربما يكون بحاجة لجلسات علاج سلوكي معرفي لتعديل أفكاره السلبية ويساعده بعمل مدرج للقلق والأشياء التي يخاف منها بالترتيب من الأكثر قلقاً لديه إلى الأقل، بالإضافة لتدريبه على تمارين الاسترخاء.

2-ابحثي في بلدك عن مركز متخصص بعلاج هذا النوع من المخاوف عبر العلاج المعرفي السلوكي والتعرض التدريجي لمسببات الرهاب.

3-كذلك باستخدام فنيات الاسترخاء لأنها من أهم الطرق الفعالة التي يتم الاعتماد عليها في منهج العلاج بالتعرض، فيتعلم طفلك طرق الاسترخاء المختلفة كاسترخاء العضلات والتحكم في عملية التنفس، وكذلك التصور الذهني لنفسه وهو يتعامل مع الرهاب دون قلق أو ذعر.

 (هذه الفنيات موجودة على اليوتيوب يمكنك مشاهدتها و تعليمه إياها)

3-كذلك يساعده الأخصائي النفسي على الاعتراف بالأفكار السلبية والمواقف المختلفة التي تعزز الشعور بالخوف، ثم الاسترخاء والبدء في إعادة هيكلة الأفكار واستبدالها بالأفكار الإيجابية التي تعتمد على المعلومات الحقيقية والأدلة الصحيحة من أجل التخلص من الخوف، ويفضل اتخاذ قراركم بزيارة أخصائي حتى لا يتعلم الهروب من مواجهة المواقف وحتى لا يعمم قلقه على أشياء أخرى. 

4-وكذلك لا نطلق ألقاب سلبية مثل لا تكون طفل خواف لأن نعته بالخواف يولّد لديه صورة سلبيّة عن نفسه وكأنه يعاني من خلل ما في شخصيّته، الأمر الذي قد يصبح توقّعاً ذاتيّ التحقيق وعوضاً عن ذلك أنا أعلم أن قرصة البعوضة مزعجة وأمراً مخيفاً بالنسبة لك في السابق، إلا أنك أصبحت الآن أكثر قوّةً وشجاعة على مواجهة فكرة أن بعوضة ما قد تقرصك لأنه لا يوجد أي دليل لدينا أو علم أو معرفة إذا كنا سنتعرض لمثل هذه القرصة أو لا، وأظنّك قادر الآن على مواجهة الأمر، إن كنت طبعاً تريد ذلك.. لأن شعورك بقوّة ولدك، يجعله يشعر بدعمك له، الأمر الذي قد يشجّعه على التغلّب على مخاوفه.

5-تعليمه فن تجاهل للفكرة التي تأتيه حول خوفه مثلاً بأن يقول: (وماذا إذا أنها مجرد فكرة سلبية سخيفة لن أستمع لها) ويكمل عمله.

6-تدريبه على أن يعمل شيئاً مختلفاً إذا هجمت عليه أي فكرة حزينة أو قلقة كممارسة الرياضة أو مشاهدة التلفاز.

7-التركيز عنده على مواطن قوته والنقاط الإيجابية عنده وإبرازها ومدحها بدون مبالغة أو نقصان.

8-إشراكه في أنشطة جماعية وتفاعلية، وإبعاده عن أجواء العزلة والانطواء على الذات فالعزلة احيانا مجال خصب للخوف والقلق .

9-ممارسة التمارين الرياضية والاسترخاء وتمارين التنفس (شهيق وزفير)، التي تقلل من القلق وتزيل التوتر كتخيل منظر مريح كشاطئ أو حديقة جميلة. يمكنك البحث عنها في اليوتيوب.

10-الحذر من تلك الكلمات «لا تكن طفل– لا تخاف – انظر إلى أختك فهي لا تخاف»، فكلها عبارات توجيهية سلبية التأثير.

وخلاصة الأمر يجب أن يكون هناك نوع من التهدئة في التعامل مع الموضوع، ولا يكون شغلاً شاغلاً لكم ولطفلك ذاته، وأن نحبب إليه مصدر الخوف وذلك بالشرح البسيط كما ذكر، ثم بعد ذلك نركز على تنمية مقدرات ولدك وشخصيته وأن نصرف انتباهه إلى مهارات جديدة وفعاليات جديدة في حياته.

وأنصحك بالاطلاع على المقال التالي:

أخطاء التفكير والتشوهات المعرفية

أسأل الله تعالى لك أن يوفقك ويعينك ويحفظ طفلك وأخوته ويجعله قرة عينٍ لك.

د. جاسم المطوع والفريق الاستشاري معه بـ (خدمة معين) يتمنى لك التوفيق

معين.. ونعين